المغاربة و الاحتفال برأس السنة الميلادية بين "معارض" و "موافق"




مطلع كل سنة ميلادية جديدة تتباين الآراء حول شرعية الاحتفال بهذه المناسبة، تباينٌ يعزوه متابعون إلى أصل هذه المناسبة و دلالتها الإيديولوجية و الثقافية و إلى حمولتها الفكرية التي تمثل مناسبة ميلاد رسول الله عيسى عليه السلام، و ما يرتبط بذلك من احتفال ببعض فترات حياته و خاصة مسألة صلبه. فيما يحصر البعض الاختلاف في أوجه الاحتفال لا الاحتفال نفسه. تباينٌ يظهر فيه الرأي الشرعي كقوة مؤثرة أولى تصنف هذا الاحتفال ضمن "بدع العصر"، فيما تبقى آراء أخرى مهتمة بدلالته الإنسانية و الحضارية و قيمته الاجتماعية.
  رأس السنة الميلادية ذكرى سنوية كلُّ و كيف يتعامل معها، فمنهم من يعتبرها مجرد ذكرى عابرة لا تفيد أكثر من نهاية عام و قدوم آخر، في حين يراها آخرون مناسبة حقيقية و جديرة بالاهتمام لاستحضار أهم أحداث السنة الماضية و الانكباب على استقبال سنة جديدة مأمولٍ فيها الأحسن و الأفضل مما مضى. بينما ترتفع قيمتها عند الاحتفاليين و "المتحررين" الذي يحرصون على استغلال هذه الليلة في تناول ما لذ و طاب و الاجتماع بالأصدقاء و أفراد العائلة، ليتجاوز الأمر ذلك لدى طبقات أخرى إلى حد العربدة و السكر و إقامة الليالي الحمراء.

  سارة أستاذة الإعلاميات بالسلك الثاني تقول أنها غير معنية بهذه المناسبة كمسلمة، لأنها في نظرها مجرد تقليد أعمى لبدعة اختلقها الغرب، كما لا تحتفل بالهجري أيضا.
  ذات الرأي عبر عنه عبد المجيد فاعل جمعوي و رئيس جمعية ، معتبرا الأمر تقليدا غربيا ناتجا عن نقص الايمان بالله، مستحضرا نهي رسول الله عن مشاركة "الكفار" أعيادهم في أكثر من حديث.
  "أبو ريحان" أستاذ و مناضل و فاعل جمعوي يؤكد احتفاله بالكريسميس و خاصة أنه يصادف يوم ميلاده، فيما يخصص لفاتح محرم "العصيدة" و "الزبدة" كموروث ثقافي أمازيغي.
  مصطفى الأمين العام لحزب يؤكد في كلمته لهبة بريس أنه لا يحتفل بالكريسميس كونه مسلما دون أن يمنعه ذلك من تهنئة المسيحيين في أعيادهم. أما بخصوص فاتح السنة الهجرية فهي مناسبة لاستحضار ذكرى الهجرة و دروسها الغنية، دون أن يتعدى الأمر ذلك إلى اعتباره عيداً بل مجرد "ذكرى و مناسبة لتحديد البوصلة و تأكيد الانتماء".
  يرى أمجد الأستاذ الجامعي بجامع الأزهر أن الميلاد المسيحي محرم في شريعة الاسلام لما فيه من تشبه بالنصارى و علامة على الرضا بلوازم هذا العيد من التثليت و غير ذلك، كما أنه لا يحتفل بالهجري أيضا خاصة و أن رسول الله و أصحابه لم يحتفلوا به.
  محمد العضو باللجنة الإعلامية لحزب يؤكد موقف "أبي أمجد"، و يضيف أن الهجري ما هو إلا مناسبة لإقامة ندوات تعريفية بالهجرة النبوية الشريفة.
  المصطفى الطالب بالمدرسة الوطنية للتجارة و التسيير لا يهتم بكلتا المناسبتين مكتفيا بالعيدين الشرعيين فقط الأضحى و الفطر، فيما لا يبدي امتناعا عن تهنئة من تعنيهم هاتين المناسبتين احتراما لحقهم في ذلك.
  ليلى إعلامية و نقابية إلكترونية لا ترى في هذه المناسبة ما يثير اهتمامها، الأمر الذي لا يعدو أن يكون مجرد "عادة" تربينا عليها في الصغر حال كل المغاربة، بسبب الاعلام الذي لعب دورا أساسيا في تكريسها في الأذهان، متجاهلا مناسبة التقويم الهجري.
  سعيد مهاجر و خريج جامعة إسبانية يرى مشاركة النصارى احتفالاتهم في بلادهم تعايشا مع المجتمع و اعتبر ترك ذلك "غباءً"، فيما لا يجد أي مبرر للذين يحتفلون بهذه المناسبة في البلاد الاسلامية أو التي تصنف نفسها "فرونكفونية" معتبرا ذلك "استيلابا فكريا".
  نزار إعلامي و موظف بشركة استضافة مواقع يتساءل عما إذا كان الغرب يحتفل بمناسباتنا لنحتفل نحن بمناسباتهم؟! معتبرا تفريط المسلمين في الاهتمام بخصوصياتهم "عيبا" و "عارا"، ليضيف أنه يحتفل بالمناسبة الهجرية حفاظا على "الهوية و المرجعية".
  ر.ع. دكتور و مهندس أبحاث فضائية يرى أن الكريسميس تحول إلى مجرد مناسبة تجارية و ليالي حمراء، مبديا عدم امتناعه من الاحتفال بفاتحي التقويمين كونهما يرمزان إلى مناسبتين عظيمتين هما ميلاد أحد أولي العزم من الرسل (عيسى عليه السلام) و الآخر ذكرى لهجرة النبي صلى الله عليه و سلم.
  من جهته يؤكد بوبكر المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان أنه يحتفل بالعام الهجري كونه "عيدا تاريخيا يؤرخ للهجرة النبوية و معانيها الخالدة في الصمود و التضحية التي بذلها النبي صلى الله عليه و سلم من أجل نصرة الدين الإسلامي"، شأنه في ذلك شأنه في الاحتفال بالفاتح الميلادي لما فيه من "تأريخ لنبي عظيم هو سيدنا عيسى عليه السلام" مؤكدا اتفاق طبعه ما كل ما يجلب السعادة و الطمأنينة للإنسان.
  عادل بحكم تخصصه كطالب باحث في علم الاجتماع يرى أنه "سوسيولوجيا يمكن تفسير ظاهرة إحتفال المغاربة بحلول السنة الميلادية كأحد مظاهر تحديث بنيات المجتمع الناتج أساسا عن دينامية التحول والتغير التي تحدث بفعل تداخل وٱصطدام القيم المحلية و القيم الكونية بفعل العولمة".
  إبراهيم الباحث في الشؤون الدينية و الناشط الإعلامي اعتبر الأعياد من "أخص خصائص الأمم"، و أن الإسلام لم يشرع لنا سوى عيدين فقط هما الأضحى و الفطر مع النهي عن التشبه بغير المسلمين في أديانهم و انحرافاتهم، مذكرا ببعض فتاوى علماء المذهب المالكي الذين حرموا هذا النوع من الاحتفال كالونشريسي و ابن الحاج المالكي اتباعا لدرب العلماء ممن سبقهم. و عن رأيه في الاحتفال بفاتح محرم يرى بيدون أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم و هو لم يحتفل و لا أحد من أصحابه بهذه المناسبة مذكرا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:
  عن أنس رضي الله عنه، قال: « قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ"؟ قالُوا: "كُنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليةِ"، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم: "إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ" رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
  في الضفة الأخرى تستمر منابر صنفت نفسها "تحررية" في إلباس رفض هذه الاحتفالات لبوس السلفية و التزمت الديني، في الوقت الذي عمت فيه مئات الصفحات الفايسبوكية شعارات تنادي بـ"هجر" هذه المناسبة و عدم الاهتمام بها، و اعتبارها يوما كباقي الأيام ليس إلا.

0 commentaires :